بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الشرح إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد: فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وبعد: فإن كتاب (( بلوغ المرام من أدلة الأحكام )) ، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (852هـ) من أفضل ما ألف في أحاديث الأحكام ( ١ ) ، وقد كتب له الذيوع والانتشار والقبول، وقد كنت في أثناء شرحه للطلاب في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة القصيم(فرع جامعة الإمام سابقا)، وفي الدورات الصيفية المقامة في مدينة بريدة أجمع مادة علمية في شرح الأحاديث استعين بها في شرحه للطلاب، ثم رأيت أن أهذب هذه المعلومات وأزيد عليها وأعيد صياغتها في هذا الشرح، وأود في هذه المقدمة أن أشير إلى بعض الأمور المهمة كما يأتي: ١ - اتجه العلماء بعد القرن الخامس الهجري للتأليف في أحاديث الأحكام، وذلك بتجريد الأحاديث المشتملة على الأحكام الفقهية الفرعية من المصنفات الحديثية الأصول مثل: الكتب الستة، ومسند أحمد، وصحيح ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وغيرها، ورتبوها على أبواب الفقه، وقد تفاوتت هذه المصنفات، فمنها الكبير والمتوسط والصغير، وقد قدر غير واحد من الأئمة عدد أحاديث الأحكام في السنة، وقال كل واحد منهم بحسب اجتهاده، وما وصل إليه من الأحاديث، قال أحمد بن حنبل (ت 241 هـ): (( سمعت ابن مهدي يقول: الحلال والحرام: ثمانمائة حديث )) ، وقال أبو داود عن ابن المبارك (ت 181 هـ): (( تسعمائة حديث )) ، ينظر: النكت على ابن الصلاح (1/299-30)، وقال ابن القيم (751 هـ) في إعلام الموقعين (2/257): (( أصول الأحكام التي تدور عليها نحو خمسمائة حديث، وفرشها وتفاصيلها نحو أربعة آلاف حديث )) ، ومن أشهر المؤلفات في أحاديث الأحكام: أ- الأحكام الكبرى، والوسطى والصغرى لأبي محمد عبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي المعروف بابن الخراط (581 هـ)، وكتاب الأحكام الكبرى ألفه الإشبيلي قبل كتابي الأحكام الوسطى والصغرى، وذكر فيه الأحاديث مسندة إلى المصنفين، ويذكر بعض علل الأحاديث من غير توسع ، ثم اختصر الأحكام الكبرى بالأحكام الوسطى ، وذلك بحذف الأسانيد وبعض الكتب والمتون ، وأكثر فيه من ذكر علل الحديث واختلاف ناقليه، وتحرير الزيادات فيه ، والأحكام الصغرى مختـصر من الأحكام الوسطى ، اقتصر فيه في الغالب على ما في الصحيحين والموطأ . ب- (( عمدة الأحكام فيما اتفق عليه الشيخان )) ، لتقي الدين أبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (600 هـ)، جمع فيه أحاديث الأحكام المتفق عليها، ورتبها على أبواب الفقه . ج- (( المنتقى من أخبار المصطفى )) ، لمجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن تيمية (653 هـ)، وهو كتاب كبير في الأحكام ، فيه ما يزيد عن (5000) حديثا، وقد انتقاه من كتاب الأحكام الكبرى له، وقد أغفل المجد الكلام على الأحاديث من جهة التصحيح والتضعيف حتى إنه لم يذكر كلام الأئمة عليها كالترمذي وغيره . د- (( الإلمام في أحاديث الأحكام )) ، لتقي الدين أبي الفتح محمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد (702 هـ)، وهذا الكتاب مختصر من كتابه الكبير في أحاديث الأحكام ، المسمى بـ (( الإمام )) ، وكتابه الإمام في أحاديث الأحكام، توسع فيه في جمع أحاديث الأحكام ، وذكر طرقها مع الكلام عليها تصحيحا وتضعيفا في عشرين مجلدة، عدم أكثره، وكتابه الإلمام مختصر نفيس في أحاديث الأحكام، وهو أساس لما جاء بعده مثل: المحرر لابن عبد الهادي، وبلوغ المرام للحافظ ابن حجر، فـ (( المحرر في علوم الحديث )) ، لشمس الدين أبي عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي (744هـ) مختصر من (( الإلمام )) لابن دقيق العيد، نص على هذا الذهبي في (( المعجم المختص )) ، كما ذكر الشوكاني في البدر الطالع (2/108)، والحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة (3/332)، وقال السخاوي في الجواهر والدرر (2/661) عن بلوغ المرام: (( بلوغ المرام من أدلة الأحكام فرغ منه – يعني الحافظ ابن حجر - في سنة (828هـ) في مجلد لطيف لخـص فيه (( الإلمام )) لابن دقيق العيد وزاد عليه كثيرا )) .